الاثنين، 2 فبراير 2015

شيماء ورقة التوت الأخيرة

نشرفي جريدة المشهد
 3- 9 فبراير 2015

شيماء ورقة التوت الأخيرة

حينما سقط قيصر سقطت أنا وسقطتم أنتم وسقطنا أجمعون ,على حين تشامخت الخيانة السفاكة علينا ( شكسبير ) , شيء من هذا تحقق عندما سقطت شيماء الصباغ مضرجة بدمائها فقد عرت أيقونة الثورة الجديدة الجميع بقسوة , جلدتنا بوجهها الملائكي وملامحها النبيلة وعودها النحيل كأجساد معظم شهداء الثورة , ولا عجب فالممر للجنة ضيق ولا يسمح للمكتنزين بدهن الدنيا  بالمرور منه !
تتابع لحظات الاغتيال الوحشي  الجبان بالصور , أدخلنا فى التجربة فصرنا القاتل والضحية والرصاصة الغادرة أيضا , وأختصر موتها قصة إجهاض ثورة يناير في لقطات رأينا فيها نبلها ورأينا إصرار ملامح وجهها البريء , وصاحبناها في لحظة مفارقة الروح للجسد , هكذا تركتنا شيماء تعساء ووضعتنا بقسوة أمام صورتنا فى مرآة  ثورة مجهضة مهشمة , فكانت صورتنا أقبح من صورة (دوريان جراى ) فى نص أوسكار وايلد .
أعاد  اغتيال شيماء الخسيس  آلام وأحزان الشعب على كل شهداء يناير كلهم وأكد فشل الثورة وتمركز نظام مبارك الذى لم يتزحزح منه الإ رأسه  فأسقط فى يد من لديه بقايا ضمير !وأصبح هو وتواطئه  فى مقابلة حادة مؤلمة ,لقد كان نبل الشهيدة فى مواجهة ضعفنا , نحن أول من ترك الميدان هناك , وترك لأونكل طنطاوي مهمة إكمال الثورة !, فقد تعبنا وحملت لافتاتنا هذا المعنى المخفي لإنصاف الثوار! فى شكل فكاهي يليق بنا كمهرجين عظام , عندما كتبنا (أرحل يا مبارك زراعي يؤلمني من حمل هذه اللافتة ) وارحل أريد أن أستحم أو أن أتزوج ...الخ ...) لم تكن مجرد دعابات لشعب خفيف الظل بل حملت معنى ضعف الاستمرارية الثورية لدى هذا الشعب الذي لم يكمل ثورة في تاريخه !
وجهك الصافي أسقط كل الأقنعة يا شيماء !ّ هؤلاء القردة أراجوزات الإعلام الأمني وأزرع الثورة المضادة !ّ تخيلي لم يكتفوا بموتك مرة فقتلوك عشرات المرات عبر فتريناتهم الإعلانية الداعرة , فأنتي السبب فى قتلك !لأنك لم تدركي  طبيعة المرحلة !وخطورة المؤامرة الكونية والكوكبية ضد مصر ! وأنتي تجرأتي وهتفتي عيش حرية عدالة اجتماعية , وحملت بين يديك حلم الثورة وبعض ورود ! لم تدركي أنها ستوضع على جثمانك بعد قليل !لم يكتفوا بذلك بل أن مدير تحرير أحدى صحف رجال المال كتب يدين رفاق شيماء  في الحزب لأنهم لم يدركوا خطورة المرحلة ! وأتهمهم وفقا للصورة بأنهم تخلوا عنك وأداروا ظهرهم لحظة إطلاق الرصاصة عليكي ! والف باء صحافة يا مدير التحرير المبجل أن الصورة تثبت لحظة واحدة ولا تقدم كل التفاصيل التالية .! فربما يكون رفاقها  قد قاموا ببطولات بعد اللحظة التي  ثبتتها الصورة ولم تلتقطها الكاميرات ! لقد تمنيت أن تكون أنت موجودا في هذه اللحظة لنرى ردة فعلك بعد  إطلاق الرصاصة على قرب منك !ومن يدرى ربما كانت الرصاصة أكثر عدلا واتجهت إليك .
بهمة عاهرة أنهت للتو عملها قامت أزرع الثورة المضادة الإعلامية بتنظيف ضمائرهم وأيديهم  فبعد  لحظات كان واحد من لواءات الإعلام الفاجر المتنكر في صورة مقدم برامج يلقى بالتهمة على الإخوان !بكل هذه السرعة وصل للحقيقة ! ! حتى أن مساعدا سابقا  لوزير الداخلية أكد أن لا مصلحة للداخلية فى قتل شيماء وأنهم ليسوا بهذا الغباء ! وأنا أوافقه الرأي تماما بأن الداخلية ليست بهذا الغباء , ولكن السنوات الماضية كانت تشهد خطة ذكية وممنهجة لشيطنة الثورة والثوار وأن انتقام الثورة المضادة أمتد ليشمل عموم الشعب المصري كله , من رفع أسعار السلع إلى استمرار الفوضى الأمنية بشقيها الإرهابي والجنائي إلى استهداف قادة الثورة بالسجن والقتل ! وساعد على ذلك أحكام قضائية أخرجت رموز الثورة المضادة وأدخلت الثوار السجون ! نجحت المؤامرة أذن ومصلحة الداخلية هى الانتقام من شعب تجرأ على أسياده , ولابد أن يعلم انه بدوننا سيكون فريسة للإخوان ومن لف لفهم وللبلطجية والمجرمين ! لابد وأن يدفع الشعب الثمن غاليا من دمه وحريته وكرامته حتى يخر ساجدا مستجديا أسياده , وحتى لا يكرر فعلته الآثمة مرة أخرى ,عرت شيماء جهاز الشرطة بعقيدته السابقة الثابتة ونظام مبارك الذي لم يتزحزح عن مواقعه , وعرت جبن الشعب الذي ترك ثورته , ونخبته الخائنة العاجزة المترددة التي لم تستطع من فرط أنانيتها وأوهامها أن تختار قائدا واحد للثورة !ولم تصر على تشكيل مجلس رئاسي ووافقت على أن تدخل فخ الألعاب الانتخابية ! عرت شيماء جبن الرجال الملتصقين فى أحضان زوجاتهم !وتواطىء شعب تعب من الدوامة التي أدخله فيها مافيا الثورة المضادة بالتعاون مع الإخوان.
سقطت أوراق التوت كلها , حتى أن ورقة مقاومة الإرهاب  لم تعد مسوغا مقبولا لقمع الحريات أو تأجيلها... فتأجيل الحريات حتى يستتب الأمن .! عبارة خادعة استخدمتها أنظمة كثيرة عبر التاريخ , وكلها انتهت نهاية كل الديكتاتوريات البائدة ! فالتأجيل يتبعه تأجيل وينتهي الأمر بمن يضحى بالحرية في مقابل الأمن بأن يخسر الاثنين معا, سقطت قصة (أن هذا الشعب لم جد من يحنو عليه ), ونور عنينا لم تجد ترديدا لها على مستوى الواقع والأفعال .
 رسائل قتل شيماء الموجهة متعددة منها أن أي احتجاج سوف يسحق في مهده بقسوة , على الجميع أن يبلع لسانه ويخرس ويقبع في داره , لن يسمح بأي ثورة قادمة وسيقضى عليها قبل أن تتكون , أن الداخلية لم  تتغير ولم تنسى ثأرها ! سنفقد المواطن أمنه الشخصي  وسنحاصره بأكوام القمامة حتى يشعر أنه مجرد حشرة ! كما أننا لن نسمح بتطور الحياة الحزبية وخروجها من مربع الديكورية السابق , وأننا استهدفنا امرأة  حتى لا تظن أي فئة أنها محصنة من الاستهداف  وحتى لا يحاول أي مواطن أن يمارس رجولته بالاحتجاج , وليعلم الجميع أن للنظام أظافر وأنياب ,
سيتوقف  التاريخ أمام وزيري الداخلية العادلى ومحمد إبراهيم ,لأن كلا منهما تسبب في تغيير مسار التاريخ بإشعال الغضب الشعبي .
عام 2015 هو عام الحقيقة وسقوط أوراق التوت , على الرئيس كسياسي أن يقوم بثورة على نظام مبارك وأزرعه الإعلامية , فالنظام الذي يسير بأقدام مبارك سيقودنا لنفس المصير !وعليه كقائد عسكري أن يغير إستراتيجيته في معركة تبدو خاسرة ,ليعود بمصر إلى طريق الثورة وليحقن الدماء أيضا .
أن تدجين الشعب المصري وإعادة بناء جدار الخوف هي مهام مستحيلة وعدم تحقق أهداف الثورة  ينذر ببراكين غضب فائرة , والفقر يتضاعف والجوع يزيد, وهناك مكر الله فلا تأمنوه .
لا أمل لمصر وللثورة وللنظام الإ بالإسراع في تحقيق أهداف الثورة وأقول الإسراع لأن غضب الشعوب يتفجر في ثواني وساعتها لن يكون غضبا كسابقه ,وقمع هذا الغضب سيحيلنا للنموذج السوري المقيت ! لابد من إيقاف العمل بقانون التظاهر , أن تحقيق العدالة  والقصاص للشهداء وتحقيق أهداف الثورة من حرية وعيش وعدالة وكرامة إنسانية هو طوق النجاة الوحيد لمصر وللثورة وللنظام الحاكم .

طارق عبد الفتاح
خبير إعلامي

tarekart64@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق