نشر في جريدة الآسبوع 21 يوليو 2014
سجن النساء والمهروسين
!
دانتيلا دقيقة تغزلها نساء الإبداع فى سجن النساء ..الكاتبة
الراحلة فتحية العسال أهدتهن قماشة مسرحية
عريضة راقية ..فنسجت منها مريم نعوم وهالة الزغندى سيناريو وحوارا راقيا أمتد من
سجن النساء ليشمل سجن الطبقة المهمشة !ما الذى يجمع بين نساء السجن ...القهر والفقر والتهميش ... ضحايا ظلم إجتماعى
فادح أفقدهن إنسانيتهن وأنوثتهن ..حتى أفضلهن ظروفا (غالية ) التى حظيت بوظيفة
بالداخلية كسجانة ...لم تسلم من القهر ..فزوجها (صابر) سائق ميكروباس مهروس ومطحون
بدوره ولكنه إنتهازى وطماع يخدعها ويسرق قلبها وجسدها وعذريتها وأموالها ..ويقتل
حماه من زوجة أخرى وتشهد عشيقته على أنها هى التى قتلت ..! وتسجن غالية ظلما فى
ذات السجن الذى عملت فيه سجانة !.تدخلنا نعوم إلى قلب هذه الشريحة المهملة
إجتماعيا ودراميا ! ..فنرى أحلاما مجهضة ونساء تركن الحياة الطبيعية رغما عنهن
وأشتغلن فى الدعارة قسرا !وأخريات عملن بتهريب المخدرات ! وأخريات سجن فقط لعدم
قدرتهن على تسديد قسط بوتاجاز ! ...العمل يتناول قطاعا كبيرا ربما بالملايين
يعيشون بيننا فى الأحياء الفقيرة والعشوائية ولا نراهم أو نتعمد الأ نراهم !يعيشون
على هامش المجتمع يصارعون يوميا فقط من أجل
البقاء على قيد الحياة !... ....تتقاطع الخيوط الدرامية فى العمل ولكن يجمعها نول واحد هو القهر والفقر والتهميش ... .. ومن يتمسك
بالاخلاق كالممسك بالجمر !...حاولت دلال الفتاة الفقيرة التى عملت بائعة ملابس أن
تقاوم السقوط ...لكنها أجبرت عليه إجبارا ! ...الحوار أكثر من رائع وتركيبة كل
جملة غزلت من بطن الأحياء العشوائية !مشهد لا أتصور أنه قدم من قبل معبرا عن تردى
الرعاية الصحية للفقراء وتكدس البشر للحصول على حق بسيط هو العلاج ! ..... بمنهج الواقعية
الوحشية ..مقابلا لمسرح القسوة.. تقدم لنا كاملة أبو ذكرى مسلسل عن الواقع دون
تجميل أو تهويل هى مخرجة الممثل ومخرجة المرأة ومخرجة الواقع المرير !بعد (ذات )
تخطو خطوات أكثر نضجا فى هذا العمل الرائع ..هى مخرجة الأحاسيس المعلنة والمكبوتة
والمهدرة !
تضع كاملة كل ممثل فى الدور الذى يفجر أكبر طاقاته ! مع
قدرة عجيبية على إكتشاف الوجوه الجديدة وتحويلها إلى نجوم بعد عمل واحد!
عمل متكامل العناصر ..موسيقى ..تصوير حوار سيناريو أخراج
تمثيل ..مونتاج .... تطول الخيوط الدرامية الدرامية الأساسية للعمل والمتجسدة
فى البطلات الثلاث غالية (نيللى كريم )
ودلال (درة زروق ) والخادمة رضا ( روبى ) لنتوه فى تفاصيل كل خط درامى....كان يجب أن يخلق المونتاج هذا التوازى والتوزن ثم
أن خط مجموعة الغجر خارج السياق الدرامى
للعمل ككل ولو حذف فلن يؤثر بل أنه يمكن يكون عملا دراميا مستقلا عن هذه
الفئة ! وبيئة العمل المقدم أفتقدت وجود
نماذج التطرف الدينى التى تنبت بالضرورة فى هذا المناخ القاهر للروح ! ويأتى الزمن
كأطار خارجى من خلال مانشيت جريدة أو نتيجة حائط أو صورة معلقة لمبارك لنعرف أننا
فى زمن المبيدات المسرطنة وزمن تهميش الفقراء وهرسهم ...وربما هذا هو السبب فى تلك
الحملة العدائية الموجهة للمسلسل ورفع قضايا ضده وإستضافة الإعلام
الخاص المملوك
لرجال المال (لسجينات حقيقيات يقدحن
المسلسل)!
...أحمد داود فى دور(صابر) سائق الميكروباس أدى الدور بإقتدار ممثل كبير
..وهى شخصية ربما لا نرى مثيلا لها من قبل حتى فى السينما ! أهتم الممثل والمخرجة
بأدق التفاصيل فأظافر يده لا تقل قذارة عن أخلاقه !...نيللى كريم منتهى النضج
الفنى فى دور (غالية) السجينة السجانة
تقدم واحدا من أجمل أدوارها بمنتهى الحساسية ...دينا ماهر فى دور (حياة) وجه جديد تقدم شخصية المرأة التى يخلق منها
القهر شخصية عاجزة عن المواجهة فلا تستطيع دفعا لمن يتحرش بها أو من يسرقها ..تنتابها المخاوف المرضية الهروبية فتقرر الهروب الكبير بتسميم نفسها وأسرتها كلها
! لتهرب من قسوة الحياة !ولكنها تنجو وحدها لتلحق بسجن النساء الذى يتحول الى محطة
نهائية ونتيجة مؤكدة لكل القهر الواقع على المرأة المصرية وعلى هذه الطبقة
المطحونة !
تتألق (ريهام حجاج ) فى دور عشيقة صابر سائق الميكروباس أدت
الدور بوعى ومهارة عالية ....وأبرزت المشاعر المكبوتة والإحساس بالدونية !ثم المكر
والخبث ... دلال الفنانة (درة زروق ) قدمت دور الفتاة التى سدت كل الأبواب فى
وجهها ولم تستطع مواجهة التيار الجارف فسقطت للتحول لعاهرة الطبقة الراقية ! ...تتألق(
نسرين أمين) فى دور عاهرة الطبقة الفقيرة . .هى ممثلة تملك موهبة كبيرة. وتقدم
روبى فى دور (رضا ) دورا من أجمل أدوارها على الإطلاق منتهى البساطة والعفوية
والتلقائية للخادمة الريفية الساذجة التى كتب عليها مواجهة مدينة بلا قلب لتبتلعها
أنياب القاهرة!..........حتى الأدوار المساعدة يتألق فيها ضياء الميرغنى وحنان
يوسف ...وسلوى عثمان ..وسعيد الصالح ...ومحمد عبد العظيم ..أيمن قنديل ..ولاء
الشريف فى دور زوجة صابر الأولى وجه مبشر جدا .وشريف الخيام فى دور الشاب الذى
يتخلى عن دلال وجه مبشر جدا ......هذا هو الفن الذى نحتاجه..سجن النساء جوهرة
نادرة وسط مقلب الزبالة الدرامية الرمضانية
هذا العام .
طارق عبد الفتاح
خبير إعلامى
Tarekart64@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق