الأربعاء، 23 يوليو 2014

التطبيع مع الموت

بوابة الاتحاد الثوري الالكترونية – جريدة عربية مستقلة شاملة

التطبيع مع الموت!

الموت صارا خبرا عاديا لا يستحق النشر! نتناول طعامنا ونشرب دماء.. الضحايا ونحلى بالجثث على الشاشة .. ندير المؤشر لتغرقنا الدراما فى بئر العنف والدم والجنس والرقص(والموت يهب من الصحف الملقاة !)  القتل صار مانشتا منزويا لم يعد يحفزنا على مواصلة القراءة !...
يأتينا خبر وفاة الأصدقاء والزملاء والأقارب ...نبتسم فى داخلنا فمازلنا نعتقد أننا أحياء ! ...الميديا حولت الموت لخبر عادى ؟ هل كان  الأمر متعمدا ! نعم ..بعد مجازر الأمريكان فى هيروشيما ونجازاكى وبعد مجزرة فيتنام ! كانت الصورة تذبح وتفضح وحشية الرأسمالية الإستعمارية وبشاعة الهمجى الأمريكى الجاهل والمعادى للحضارة وللإنسانية ! لم يصدق أحد عندما قال اليسار..(أن الرأسمالية  نظاما معاديا  للإنسانية) فأكتشفنا أنه نظاما يتغذى على أرواح وجثث البشر !..كان لابد أن تختفى الصورة ويلعب الإعلام دورا تضليلا للمواطن الأمريكى وللعالم كله ..لهذا كانت الحرب على أفغانستان والعراق تقدم بإعتبارها إحدى ألعاب التسالى و(الفيديو جيم )...والجرافيك ....نرى الطائرة تلقى قنبلة لا نرى القنبلة بل نرى بقعة ضوء مبهرة ! ..نرى تفجيرا على الأرض مثيرا وجميلا ! نعم ! ولكننا لا نرى جثثا ! ولعب الإعلام الغربى والأمريكى دورا تسويقيا قذرا لحروب أشد قذارة! فتصبح حرب تدمير العراق حربا من أجل القضاء على أسلحة دمار شامل وهمية ! وتصبح أمريكا هى الفارس الذى يحمل قيم الديمقراطية ويقدمها على صواريخ كروز للشعب الأعزل فى كل مكان وزمان ..بالقنابل النووية فى اليابان وبالصواريخ والأسلحة المحرمة دوليا فى فيتنام وبالقتل بالطائرات بطيار أو دون طيار..وبالصواريخ ..كل أشكال القتل موجودة ...الرأسمالية (دراكيولا ) متوحش .. وأزمة النظام الرأسمالى تتطلب دائما دماءا جديدة ..فشركات  السلاح العملاقة التى  تحكم العالم لابد أن تسوق أنتاجها !فأذا عاش العالم فى سلام خربت شركات الموت والقتل السريع وأفلست الآلة الرأسمالية الجهنمية ..أذا لم تكن هناك حربا سنخلق حربا !!!وستطلق المنابر الإعلامية ومنصات الصواريخ الفضائية يتقدمهم مشاة من النشطاء والعملاء وأصحاب دكاكين حقوق الإنسان ومشايخ فتوى الدم ...هؤلاء يقومون بدور أولى هو تمهيد الأرض وقصف الأهداف الإستراتيجية وغسيل مخ شامل على الأرض قبل أن تدخل الجيوش العسكرية لتذبح وتقتل وتنسف ......لا تترك الألة الأمريكية العقول المفكرة والعلماء فأما أن يختطفوا أويعملوا بإرادتهم فى خدمة الرأسمالية العالمية  أو يتم قتلهم ! وتمارس الآلة العسكرية الأمريكية عدائها التقليدى لكل ما هو تاريخى وحضارى فأمريكا دولة همجية عمرها لا يتجاوز 200 عاما لهذا تعادى أى حضارة قديمة  لابد من محو الذاكرة الوطنية والحضارية وتدمير التاريخ وتفكيك العقول كبداية لتفكيك الأوطان وتفتيتها بعد أن تم تقسيمها فى سايكس بيكو الأولى ....الإعلام لابد أن يمهد الطريق للقتل ...ولهذا على المواطن فى دول العالم الثالث أن يتعود بشكل يومى رؤية الجثث والأشلاء والتفجيرات والقتلى ....ولابد أن يتم غزوه بالمسلسل والفيلم الأمريكى الذى يحصد فيه (الكاوبوى) أرواح العشرات فى دقائق ثم ينفخ فى مسدسه ويجلس مستمتعا ليتناول الويسكى مع إحدى عشيقاته بعد ذلك ! هكذا حياة المئات بلا قيمة والقتل مثل صباح الخير ...السينما الأمريكية الممولة من المخابرات الأمريكية نجحت فى ترسيخ هذا الأمر فى وجدان عدة أجيال ...الأمريكى هو البطل المنقذ المدافع عن الحريات والمنقذ للنساء والأبرياء ضد الشعوب الأفريقية الهمجية وضد العرب السفاحين القتلة وحكامهم الفاسدين وضد الهنود الحمر البربريين !..أمريكا هى الحل ..ومن أجل هذا تهون فكرة قتل  الآلاف هكذا بدأ القصف الإعلامى والسينمائى المخابراتى مبكرا منذ الستينات والسبيعينات ,,وأثمر حالة التطبيع اليومى مع الدم والموت .وهذا ما سهل جدا إسقاط الأوطان وقتل الأبرياء فى كل مكان ..فى فلسطين والعراق وأفغانستان وسوريا وغزة ودول أفريقيا الغنية بالثروات ....القتل شعار الرأسمالية بل غذائها وأوكسيجينها اليومى ودونها لا تستطيع الحياة ..وقد نجحت فى أن تجعلنا نأكل أشلاء الجثث ونتناول دماء أبناء وطننا ونحن نشاهد صورهم قتلى عبر التلفاز !!والسؤال أين إعلامنا .عاجز ..مغيب ..عميل ..رهين للسلطة التابعة للأمريكان  أو إعلام خاص ...رهين لعصابات المال ووكلاء أمريكا وإسرائيل  فى المنطقة !....التطبيع مع الموت يشبه عملية (الخرتته)  التى يصور فيها (يونسكو)  فى مسرحيته تحول المواطنيين إلى خراتيت حيث تنب لهم قرون ويفقدوا الإحساس تدريجيا ..يتحولوا لخراتيت لا تشعر ولا تحس ..هذا بالضبط ما يحدث لنا أمام الجثث والدماء التى تسقط يوميا ..فنحن لم نعد نشعر من فرط تكرارها اليومى بأى مشاعر تجاهها .!
طارق عبد الفتاح
خبير إعلامى
Tarekart64@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق