الأحد، 10 يونيو 2012

عرس الدم !

نشرة في جريدة المشهد 17/6/2012
                                    عرس الدم !

فيديريكو جارسيا لوركا شاعر إسباني متميز قتله الحرس الأسود الفاشي عام 1936 وهو في الثامنة والثلاثين من عمره في غرناطة آوائل الحرب الأهلية (1936 ــ 1939) التي قاد الثورة المضادة فيها الجنرال (فرانكو) الذى عبر مضيق جبل طارق من جهة المغرب  قائدا لأربع فرق عسكرية وهو أول من قال أمتلك (طابورا خامسا) داخل أسبانيا..وبسببه أشتهر هذا المصطلح فى عالمى السياسة والحرب .... كان لوركا يساريا معادياً للدكتاتورية ومن أشهر أعماله المسرحية الشعرية (عُرُس الدم).
المسرحية  تتشابه مع الواقع السياسى المصرى فى كون العروس الشاب (مصر ) يتم تزويجها رغما عنها ممن لا تحب !.. يقف حبيبها فى حفل الزفاف ناظرا اليها .. فتهرب معه ثم يطارد العريس العاشق وخطيبته ويقتل كلا منهما الأخر !.. ترقص الفتاة فوق الدماء على ضوء القمر بعد أن تحول عرسها (الديمقراطى ) إلى عرسا دمويا !
وجه التشابه يكمن فى أن تزويج مصر من (شفيق ) معناه إستغفال ملايين المصريين وتزوير إرادتهم ويمثل إهانة عميقة لا تقل عن إهانة (التوريث ) وسوف تتسبب فى عنف دموى على صعيدين الأول عنف من القوى الثورية التى سترى ثورتها تغتصب أمام أعينها !هذه القوى تضم أسر الشهداء والمصابين والأولتراس و كل من آمن بالثورة وحلم بتحقق دولة المدنية والعدالة والحرية والمساواة .. العنف الثانى سيأتى من التنظيمات السرية لتيار الإسلام السياسى الذى سيشعر أنه خدع أيضا من قبل المجلس العسكرى و ربما يلجأ لتنظيماته السرية القديمة فى تدبير إغتيالات سياسية وهنا يجب الإشارة إلى تصريحات خيرت الشاطر الخطيرة بأن الجماعة قد تلجأ للكفاح المسلح إذا تم تزوير الأنتخابات الرئاسية !وتصريح أخر بأنهم رصدوا إتصالات بين اللجنة الرئاسية والمجلس العسكرى !ومعنى التصريح الأخير أن الإخوان لديهم جهاز مخابرات !
بالإضافة إلى التصريحات الأكثر خطورة  للقيادى المنشق عن جماعة الأخوان المسلمين ( ثروت الخرباوى ) والتى أكد فيها وجود تنظيم سرى داخل الجماعة أسمه (الوحدات) قام بتجنيد عدد من رجال القوات المسلحة والشرطة والقضاء يعملون سريا لصالح الجماعة
وأن هذا التنظيم موكول إليه فى أى وقت قلب نظام الحكم !
إذا أضفنا لذلك توقعات كاتب بحجم (هيكل ) عن وقوع صدام وشيك بين المجلس وجماعة الإخوان المسلمين وتوقعات ( عمر سليمان)  الدموية فى حال وصول شفيق حيث قال ( أن جماعة الأخوان المسلمين ليسوا هبلا ولديهم حرسهم الثورى ولن يقفوا مكتوفى اليد) وهو ما تؤكده تصريحات الشاطر العقل المخطط للجماعة !.. كما توقع عمر سليمان حدوث إنقلابا عسكريا حال وصول مرسى للرئاسة لأن المؤسسة العسكرية لن تقبل بهذا الوضع !توقعات لا يستهان بها لأن العروس وأطراف أخرى لا ترغب فى هذه الزيجة المفروضة على الشعب المصرى ! ولكن وسط سيناريوهات  الدماء الأ يمكن أن يكون هناك إتفاقا سريا بين الأخوان والمجلس لتجنب الصدام الدموى وإقتسام تورتة السلطة ! أقول أن إفتراض وجود هذا الأتفاق لن ينجى مصر من الدماء أيضا لأنه ببساطه معناه إستغفال القوى الثورية وإقصائها مما سيبقى الإحتقان قائما وستكون النتيجة ثورة شعبية دموية لن تبقى على أحد لا المجلس وقياداته ولا أصول النظام القديم لأنهم ليسوا (فلولا هاربة ) بل هم (أصولا متمترسة) فى مواقعها وستطيح هذه الثورة بجماعة الإخوان المسلمين وبمن أتخذ مواقفا مماثلة لها من السلفيين ولن تكون ثورة متحضرة أبدا! ستكون عرسا دمويا هادرا !يقول الرئيس الأمريكى الراحل (جون كيندى) الذى تم إغتياله كما تم إغتيال (لوركا  من أعداء التحرر والتقدم (أذا لم تسمح للثورة السلمية بتحقيق أهدافها فأنت تفتح الباب لثورة دموية قادمة لا محالة. )
إضافة 5 ملايين صوت لقاعدة بيانات الناخبين تجعلنى موقنا من وصول شفيق لكرسى الرئاسة ..كما أن المجلس العسكرى لن يسمح بنجاح مرسى .
أسلم مقالى هذا قبل يوم 14 يونيو ولا أتوقع ولا يجب أن يتوقع الشعب مفاجأت مفرحة تأتى عن طريق القضاء كحل البرلمان أوعزل شفيق! لأن القضاء الذى أصدر هذه الأحكام على مبارك وعصابته و سمح بدخول شفيق للسباق الرئاسى رغم قانون العزل لن يعمل فجأة بشكل عكسى !
العرس الدموى قادم ..وثورتنا التى وصفت بالناعمة والسلمية لن تجدى مع نظام مبارك الشرس والمتآمر .. لا يمكنك أن تواجه سفاح فاسد بالكلمات والمظاهرات السلمية .
يقول لوركا (
رأيت أمطاراً رمادية تركض أمام الأمواج 
رافعة أذرعها المثقوبة الحنون ، 
كيلا تصطادها الصخرة الممدودة 
صمت كريه الرائحة يرتاح ، 
ماذا يقولون ؟ قربهم جسد راقد يتلاشى 
له شكل البلابل الصريح 
و هو يمتلئ أمام أعيننا بثقوب لا قرار لها .. 
من يجعد الكفن ؟ 
لا أحد ها هنا يغنى ، أو يبكى .. 
أريد أن يدلونى على بكاء كالنهر . 
له غيوم ناعمة و ضفاف سحيقة .. 
فليصبح الليل في أدغال الدخان .. 
إن البحر يموت أيضاً (

ويقول شاعرنا الفلسطينى الكبير محمود درويش في رثاء لوركا

(لوركا ....
انهضْ ...!
لا يزالُ العرسُ دامياً
العروس تُزفُ كل يومٍ إلى المقصلةِ
العريسُ يتفرجُ من كوةِ الظلامْ ..!
لا يزالُ الناسُ همو الناسَ...!
لا يزالُ الفاشستُ يعتلون الكراسيَ
برداءٍ جديدْ
وصولجان ٍ من قضبانٍ وجماجمْ
وحديدْ
ومقابرَ جماعيةٍ ....!


طارق عبد الفتاح
خبير إعلامى
tarekart64@hotmail.com





هناك تعليق واحد:

  1. تحليل رائع أستاذ طارق وإن كان عندي أمل أكثر منه تحليل عن طريق القضاء لأن حكم اليوم بإعادة الأمور لنقطة الصفر حل مثالي لجميع الأطراف وليته يتحقق ويحقن الدماء وهانحن أمام الشاشات في الانتظار

    ردحذف