الأحد، 10 يونيو 2012

تراجيديا المجلس وكوميديا الإخوان !


       نشر في جريدة المشهد 10/6/2012  
         تراجيديا المجلس وكوميديا الإخوان !

 (لقد كتب علينا أن نكون أكبر من حقيقتنا ) (دورا فى العادلون لألبير كامى ) ... أكتشف ثوار العادلون أن الموقف أكبر من حقيقتهم الثورية وأن قتل القيصر ومعه أطفاله لتحقيق غاية أكبر للوطن لن يمر بسهولة عبر ضمائرهم ! لقد كتب على القوى السياسية كلها أن تكون أكبر من حقيقتها  فالمجلس العسكرى وجد نفسه فى  
وضع خطر بحكم مصالحه الأقتصادية وإنتمائه لنظام مبارك وقلة خبرته السياسية.. فكانت ترجمته للثورة هى إرسال مبارك لشرم وإسقاط مشروع التوريث الذى يهدد فى حد ذاته مصالح المؤسسة العسكرية ..و إجراء تغيير لبعض الأشخاص والأسماء مع الإبقاء على النظام كما هو !ويتطابق هذا المنهج مع أسلوب أمريكا  عندما تتخلص من ديكتاتور صديق ثم تدعم نفس النظام مع تغيير الأسماء ! ... أصطدم هذا التصور للثورة مع فهم القوى الثورية المدنية التى حددت مطالبها فى إقتلاع النظام وتطهير المؤسسات ومحاكمة رموز الفساد السياسى والقصاص للشهداء وكنس النظام القديم وإقامة نظام جديد تماما قائم على عدالة إجتماعية حقيقة وحرية وإستقلال وطنى ! وأصطدم مفهوم الثورة مع الإخوان المسلمين الذين ترجموا الثورة على أنها إقتسام للسلطة مع المجلس مع إقصاء القوى الثورية الأخرى ولكن يبدو أن خلافات دبت بين الطرفين  حول توزيع مناطق النفوذ فوجدنا سلوكا مقامرا من الإخوان للحصول على كل شئ!
..

وبدأ الشك يتسرب للجميع من الجميع وعاد الإخوان للتحالف مع القوى الثورية التى بدت أيضا فى موقف إنقسام... ولكن يبدو أيضا أن الإتفاق  بين الإخوان والقوى الثورية لن يتم !
فى خلال هذه اللعبة الثلاثية بدت ملامح للكوميديا والتراجيديا السياسية .. التراجيديا بسبب تصور المجلس العسكرى أن قوة السلاح والسلطة التنفيذية كافية لحسم الصراع لصالحه ! وتخيل أنه سياسى محنك يستطيع إدارة دفة الأمور ووضع الأطراف الأخرى فى المسار الذى يريده ! فكان التخبط الذى خلق تراجيديا دموية طوال المرحلة الإنتقالية السبب الرئيسى فيها هو تفسير خاطىء من المجلس العسكرى بأن فورة الثورة يمكن السيطرة عليها بالقوة وبإستمالة الإخوان وتقديم جزرة البرلمان لهم ولكن كلا الطرفين الإخوان والمجلس لم يحترما قوة الثورة صاحبة الفضل على كلاهما فى أن يتولى الأول إدارة حكم البلاد أنتقاليا وأن يستحوذ الأخر على مقاعد البرلمان .. وظن كل طرف أنه حصل على تفويض نهائى لا مراجعة فيه من الكتلة الصامتة !أو قوى الثورة وكان هذا سر تفجر مآسى الفترة الإنتقامية .
 تخلي الإخوان عن القوى الثورية كان سببا فى دماء جديدة وفى إدخال الثورة فى متاهة العسكرى.
يبدو سلوك الإخوان كوميديا ليس عبر إدائهم البرلمانى فقط ولكن عبر التاريخ فهم يناضلون فى الشارع وما أن يتوج نضالهم مع نضال القوى الثورية الأخرى ينسجون علاقات سرية وعلنية مع السلطة لإزاحة شركاء الكفاح وإقتسام الكعكة مع السلطة!وما أن تتم الصفقة تنفرد السلطة بالحكم ثم تنكل بهم !فيعود الإخوان للشارع مرة أخرى لتكرار الدائرة بشكل عبثى يشبه الكوميديا السوداء حدث هذا مع عبد الناصر والسادات ومبارك ويحدث الأن مع المجلس العسكرى الحاكم !ورغم حدوث ثورة شعبية هائلة لم يغير الإخوان من إسلوبهم !

لقد كتب على الإخوان أيضا ان يكونوا أكبر من حقيقتهم ولعل درس إنصراف الملايين عنهم فى جولة الإنتخابات الأولى لتهز من سلطانهم المزعوم ولتضعهم أمام حقيقة أكثر مرارة من مرارة إختيار مرسى أو شفيق بالنسبة لقطاع كبير من المصريين الأ وهى أنهم عاجزون عن ركوب جواد الثورة بمفردهم وأن  إقتسام الكعكة مع السلطة هذه المرة سيمثل مقامرة كبرى قد تضيع منهم كل شئ !وربما تتسبب فى إنهيار جهاز الجماعة !
كل الأطراف لا تستطيع أن تنجز المهمة بمفردها وهذا ما أدركه حمدين صباحى وأبو الفتوح وخالد على متأخرين !فى أن تشكيل مجلس قيادة للثورة يمثل أول خطوة للنجاح فى وضع الثورة على المسار السليم ... فقد أدرك حمدين وأبو الفتوح أن كلاهما كانت فكرته عن نفسه أكبر من حقيقتها ولكن فكرتهما معا عن نفسيهما ستمثل فكرة صحيحة تماما .. وهذا ما لم يتم بسبب غرور القوة وزهو الكرسى حتى أن المرشح الثورى خالد على رفض الإنسحاب هو وأبو العز والبسطاويسى لصالح حمدين وصرح خالد أنه تمارس عليه ضغوطا غير أخلاقية للتنازل لصالح حمدين !إلى هذا الحد كتب على الجميع أن يتخيلوا  أدوارا أكبر بكثير من معطيات الواقع .
سيكون على المجلس أذا استمر فى لعب أدوارا لم تعد سرية لدفن الثورة فسنكون أمام سيناريوهات غير مبهجة أقلها الإنقلاب العسكرى وأخطرها حربا أهلية أو تحول الثورة إلى صراعا دمويا .. وأذا أصر الأخوان على ممارسة اللعبة القديمة بنفس الإسلوب فسيجدون أنفسهم فى صدام مع القوى الثورية فى الميادين التى لن تقبل تخليهم عن الثورة مجددا .
أن فكرة المجلس عن نفسه مضافا لها فكرة الإخوان قد تخلق إقتساما للسلطة ولكنه لن يجلب الهدوء والأمن لأنه سيصطدم بالقوى الثورية التى سيكون عليها مواجهة المجلس والنظام القديم والإخوان !بينما توحد القوى الثورية المتمثلة فى حمدين وأبو الفتوح وأنصارهما سيمثل طوق النجاة والأمل القادم .
الثورة هى الحل .
طارق عبد الفتاح
خبير إعلامى
tarekart64@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق