نشر في جريدة المشهد 1 أبريل 2012
حرارة والعمى السياسى
الصداع يفتك برأسه
وجسده كله .. عاد حرارة من رحلة علاج لم تكلل بالنجاح ..عليه أن يبقى الشظايا فى
عينيه ربما يكتشف علاج فى المستقبل هكذا أخبره أطباء أوروبا .
حرارة بين فكى الصبر
والصداع .. تسبب وجود هذه الشظايا صداعا لا يمكن إحتماله.. لم يعد قادرا على النوم
.
سرقة الثورة ومؤامرات
الكواليس وتعمية الشعب تصيبه بصداع أكبر من صداع الشظايا .
حاول الطبيب إثنائه عن
قراره ترجاه الأ يفعل و يصبر قليلا ولكن حرارة
أصر .
خلصه الطبيب من الشظايا
بجراحة تنهى الصداع وتقضى على أى أمل له فى أن يرى مرة أخرى .
حرارة لم يحزن!
لم يكن يريد أن يرى العمى
السياسى الذى بدأ فى أجراء الإنتخابات قبل وضع الدستور وتلك المحاكمات البطيئة
المملة المبنية على أساس خاطئ ..لا يريد أن يرى المخلوع فى طائرته ومنتجعه العشر
نجوم !
من المفارقات أن يجرى
حرارة تلك الجراحة المؤلمة فى الوقت الذى يقوم فيه عضو برلمان سلفى بجراحة تجميل
فى الأنف ! حرارة يدرك أن أى جراحة تجميل لن تخفى الوجه القبيح لتيار الإسلام
السياسى وهو يتحالف مع المجلس العسكرى
لوأد الثورة .
لم يرغب أن يرى كل هذا القبح بعد أن زرع هو
وجيله أول أزهار الربيع وتنسموا ربيع الحرية .
..لم يرغب أن يرى
أنتخابات رئاسية هزلية يتقدم لها الفلول ومرشحى نظام مبارك !
..
العمى السياسى لدى نظام
مبارك له ما يبرره هو الرغبة فى الإستمرار فى جنى المكاسب والبقاء فى المناصب لكن
العمى السياسى لتيار الإسلام السياسى أكثر حماقة لأنه عمى لا يستفيد حتى من تجربة
الماضى القريب حينما تحالفوا مع السلطة وخرجوا من المولد إلى معتقلات العسكر .
تمدد حرارة على سريره
بالمستشفى وبدأ يستعيد شريط الثورة ويحدث نفسه قائلا : بدلا من دستور جديد صار
لدينا إعلان دستورى و60 مادة هبطت علينا من
المجلس ! بدلا من دستور توافقى يحضرون لرئيس جمهورية توافقى ! بدلا من
تكريم الشهداء وتسمية شوارع وسط البلد
بإسمائهم ودعوتهم لحضور أولى جلسات مجلس
الشعب تم إتهامهم بالبلطجة وإهانة أسرهم ! بدلا من علاج المصابين على نفقة الدولة قرر
مجلس الشعب تغيير سيارة الكتاتنى بأخرى مضادة للرصاص تكلفت ملايين الجنيهات !بدلا
من محاسبة ومحاكمة من قتلوا الثوار وذبحوا مصر فى بورسعيد تمت ترقيتهم !
بدلا من برلمان ثورة
صار لدينا برلمان قندهار !بدلا من تكريم من قاموا بالثورة تم إلقائهم فى السجون
العسكرية !(مباحث أمن الدولة) صارت (الأمن الوطنى )! ياله من تغيير عظيم !
أستبدلوا تكريم النشطاء
والرموز الوطنية بالتحرش بهم وضربهم وسجنهم وتشويه سمعهتم ! وأستبدلوا تكريم حرائر
مصر بإنتهاكهم والتشكيك فى شرفهم !
تنهد حرارة أثناء تغيير
الطبيب للأربطة على عينيه .. الطبيب أصابته نوبة بكاء ! حرارة هدأ من روع الطبيب الشاب
وشكره .
خرج الطبيب مسرعا ..عاد
حرارة ليحدث نفسه (.. لم نضحى بالغالى والنفيس لكى نجلس هؤلاء على مقاعد
البرلمان ! لم نأت بهم ليتجاهلوا مطالب الثورة ويتفرغوا لعقاب نواب الثورة القلائل
مقدمين أسمى آيات العرفان للمجلس للعسكرى ! لم نضحى لكى يسيطروا على لجنة الدستور
ويخرجوا لنا دستورا مشوها كما منحونا برلمانا مشوها !
لم نقم بثورة لتغيير
رأس النظام ! ونبقى على النظام كما هو!)
خرج حرارة من المستشفى وهو يرى بعينى زرقاء
اليمامة أن الموجة القادمة من الثورة ستتطيح بكل العفن ولن تبقى حتى على أنصاف
الملوثين .. يرى بوضوح أن الغد قادم وأن من المستحيل إخفاء الشمس أو حبس الضياء.
حرارة أخبر سائق التاكسى وأهله وزملائه من
الثوار الذين ألتفوا حوله أن الجميع
أضاعوا فرصا ذهبية لدخول التاريخ ..المجلس العسكرى وتيار الإسلام السياسى
والبرلمان والحكومة !
والثوار أيضا لإنهم
تركوا الميدان ولم يوحدوا الصفوف ويختاروا قيادة واحدة تتحدث بإسمهم ...
حرارة أستراح من صداع
الشظايا ولكن صداع الخوف على الثورة وعلى الوطن لم يختفى !...حرارة وزملائه يرون الأن بوضوح أكبر
أنطلقت السيارة إلى مقر
لجنة كتابة الدستور .. لكن حرارة طلب من السائق تغيير وجهته . .. خاطبه قائلا إلى
ميدان التحرير يا صديقى .
طارق عبد الفتاح
خبير إعلامى
tarekart64@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق