الأحد، 19 يونيو 2016

مندور وسراب يوليو


مندور وسراب يوليو

يكشف د.طارق مندور  في كتابه (الخطاب السياسي ووعي الثورة ) عن ظلم اجتماعي فادح للشعب في فترة ما قبل ثورة يوليو 52 ،ولكنه واقع لا يخلو من نهضة تعليمية وقضائية وصحافية ،وأحزاب سياسية وبدايات لتجربة ديمقراطية قابلة للنمو والتطور ،ويشهد علي ذلك أن رئيس الوزراء إسماعيل صدقي يرد بمقال علي د.محمد مندور عن أسباب رفضه تطبيق الضرائب التصاعدية علي الأثرياء ، يطرد مندور من رئاسة تحرير جريدة المصري لسان جال حزب الوفد ،فيحكم له القضاء  بتعويض 5آلاف جنية، تصبح مصدر دخله وأسرته مما يشير إلي عدالة القضاء وقوة الجنية المصري معا ! ثم يقاضي مصطفي وعلي أمين لتشهيرهما به لحساب الملك والإنجليز ،وينتصر له القضاء مجددا ويسقط حصانة مصطفي أمين البرلمانية ويغرمه 500 جنية.! ويرفض طه حسين أن يقوم مندوربالتدريس بالجامعة قبل إتمامه رسالة الدكتوراه ، رغم ثقافة مندور الموسوعية ، ولكنه مناخ متماسك ،وليس أدل علي ذلك من رفض مندور لرشوة من عبد الرحمن البيلي وزير مالية حكومة صدقي وهي تعيينه بمنصب سفير مصر في سويسرا ،مقابل أن يترك الصحافة والهجوم علي الحكومة وخاصة معاهدة صدقي بيفن التي تكرس الاحتلال الإنجليزي لمصر ، فلنتأمل كيف كانت قوة الصحافة  والرأي العام وتأثيرهما علي العملية الانتخابية في الإتيان بحكومات وإقالة حكومات أخري ،ولكن صفحات الكتاب تكشف كيف أوقف قطار يوليو كل ذلك وأقصي حتي من آمن بالأفكار الاشتراكية والقي بهم في غياهب المعتقلات .! يقول مندور ( أن حركة  يوليو وقفت عند الأشخاص فقد عزلت شخص الملك ولكنها لم تعزل النظام الملكي ، وهي تركز جهدها اليوم في تطهير الدولة من بعض الأشخاص ولكنها لم تطهر تلك الأجهزة من القيود والثغرات المخيفة .) ثم يضيف ( الفقير من حقه علي الدوله أن ترعاه والجاهل أن يتعلم والدولة ملزمة بأن تعوضهم عن خطئها وتقصيرها في تركهم فقراء وجاهلين فكيف يجوز أن تحرمهم من حقوقهم السياسية .)و يعبر محمود أمين العالم عن علاقة مندور وربما أغلب مثقفي اليسار المصري بثورة يوليو فيقول ( كانت ثورة يوليو 52 بما حققته من شعارات وفي بعض ما حققته من إنجازات تعبيرا عن بعض أشواق مندور وأحلامه التي شارك في صياغتها والنضال من أجلها في الأربعينات الأ أن الطابع العسكري البيروقراطي لهذه الثورة قد أرهق وأقلق ضمير محمد مندور وفكره ، فقد كان يري في الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان مدخلا أساسيا لتحقيق أهداف أى تغيير ثوري صحيح .) ويقدم مندور وصية  تحذيرية وتنويرية لضباط يوليو و لمستقبل مصر بقوله (إن محاربة الحزبية علي هذا النحو ستنتهي إلي إقصاء جميع الأكفاء عن الاهتمام بمصير وطنهم ،وبذلك تصبح السياسة مقصورة علي التافهين أو العاجزين أو المرتزقة  ،وفي هذا أكبر إفساد للحياة السياسية.)
كان مندور أحد الذين صنعوا مصر الحاضرة ،وليس ذنبه أنه راهن علي سراب يحسبه الشعب ماءا، فقد أغفلت الثورة الحريات والديمقراطية ,فكانت الثغرة التي تسلل منها أعداء الوطن فسرقوا منجزات الثورة ،وبقي السراب والاستبداد السياسي .
وللحديث بقية .

طارق عبد الفتاح
خبير إعلامي
Tarekart64@hotmail.com



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق