نشر في جريدة الآسبوع 20 أكتوبر2014
الفن وإنتصار أكتوبر
قدمت السينما المصرية مجموعة من الأفلام السطحية الساذجة على غرار بدور
والوفاء العظيم والرصاصة لا تزال فى جيبى ...وغيرها ..ولم يرقى فيلما واحدا إلى حجم
البطولات الأسطورية التى تحققت ...والغريب والمدهش أن الأفلام التى صورت معاناة
الشعب والجيش بعد هزيمة 67 كانت أكثر تماسكا وروعة ..وبعض الأفلام التى صورت حرب
الإستنزاف كانت أكثر مصداقية وعمقا !وهذا أمرا غريبا ..يعبر عن قصور الإنتاج
السينمائى الذى بدأ يتراجع منذ رفعت الدولة يدها عن الإنتاج السينمائى وأصبحت
الساحة مباحة لتجار الخردة واللحوم لإنتاج أفلاما تجارية فاسدة .
المدهش أن نجيب محفوظ ويوسف أدريس وتوفيق الحكيم وعبد الرحمن الشرقاوى
وغيرهم من عمالقة لم يبدعوا عملا واحدا يدور حول الإنتصار!
ورغم أن الحروب العظيمة تنتج أدبا عظيما فنحن لم نرى رواية فى حجم الحرب
والسلام لتولستوى ووداعا للسلاح لهمنجواى وأفول القمر لشتاينبك !
ولعل لهذا أسبابه فوقتها كتب الغيطانى ويوسف القعيد ولكن لم تهتم بهما
الحركة النقدية وقتها بإعتبارهما من شباب الأدباء !..وتحولت الكتابة عن أكتوبر إلى
جوائز مناسبات فأختفى الأبداع الحقيقى ..كما أن الجدل الذى صار بعد إتفاقية فصل
القوات بين مصر وإسرائيل فى يناير 1974 والتى تبعها فى العام نفسه أول قرارات
الإنفتاح الإقتصادى 1974 ..هذا الإنفتاح الذى كون طبقة من الطفيليين نشرت قيم
الأنانية والفردية والإستهلاكية ..و أدت سياسات السادات وقتها إلى تبعية كاملة
لأمريكا ..كل ذلك دعى عددا من الكتاب والمحللين إلى إعتبار إنتصار أكتوبر إنتصارا منقوصا
وخاصة بعد مبادرة السلام ولهذا ألتبس وأستعصى الأبداع على المبدع العربى.
المفارقة أن ما كتبه هيكل تفوق كثيرا فى مستواه الفنى على أعمالا روائية
وقصصية كثيرة .!
وبالعودة للتاريخ سنجد أن المؤسسة الثقافية الرسمية تراجعت عن دورها
الضرورى فى توثيق هذه الحرب العظيمة ..فنجد أن وزير الثقافة وقتها جمال العطيفى
أصدر قرارا بتشكيل لجنة من كبار الكتاب السينمائيين لإنتاج فيلما كبيرا عن حرب
أكتوبر ولكن اللجنة أجتمعت مرة واحدة وأختفى المشروع !وتبعه عبد الحميد رضوان
وأصدر قرارا بتشكيل لجنة ضمت نجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوى ويوسف جوهر
...ولكنها أنتهت إلى لا شىء !!
الغريب أن السادات ألتقى مجموعة من الإسرائيليين بهدف عمل سينمائى مشترك
وطلب الصهاينة أن تكون نهاية الفيلم مفتوحة لا منتصر ولا مهزوم ....وقالوا
المصريون عبروا والإسرائليون عبروا لغرب القناة !...وبالطبع لم يتم المشروع .
المحزن أن عملية العبور وإسقاط الحاجز الترابى وسقوط خط بارليف لم يتم
تصويرها بكاميرا مصور مصرى واحد !.....وبعد
تدمير خط بارليف تم الإعتماد على مجموعة من خريجى معهد السينما من
المجنديين للحفاظ على السرية ولكن بكل أسف النتيجة كارثية فلم يتم تصوير أى لقطة
لها معنى !والمعلومات على لسان سعد الدين وهبة نقلا عن جيهان السادات !!
هكذا الحرب ذاتها لم يتم توثيقها فى فيلم تسجيلى ولا توجد لقطات حية حقيقية
من جانبنا ..وهذا أمرا يتطلب أن نبحث عنه من خلال الأقمار الصناعية السوفيتية
والأمريكية ..هل قامت بتصوير الحرب ؟ وهل يمكننا الحصول على هذه المادة الكنز بعد
مرور 41 عاما على الحرب ؟
والسؤال الأهم هو هل سنترك الأجيال القادمة بلا وعى بتاريخها فنيا ! وأذا
كانت هناك أخطاء أو إعادة تقييم للحرب على أساس نتائجها السياسية على الأرض فهذا
لا يمنع من تضافر جهود القوات المسلحة ووزارة الثقافة وإتحاد الإذاعة والتليفزيون
وكل المؤسسات المعنية لإنتاج الفيلم الحلم ...لقد حققنا الأسطورة فى الواقع وعجز
الخيال وحسابات السياسة على أن تنتج فيلما سينمائيا مستندا إلى رواية مستوحاة من
الواقع ...لقد إستجاب السادات لمطالب
إسرائيلية بعدم إذاعة الأغانى الوطنية الحماسية ضد إسرائيل للدخول فى عملية تطبيع
شامل! ..فأختفت أغانى مثل وطنى حبيبى الوطن الأكبر ..ودع سمائى ...وغيرها مما سقط
من الذاكرة الوطنية ...ولكن الأن بعد ثورتين لابد من إستعادة ذاكرتنا الوطنية فى
مرحلة يراد فيها محو هويتنا بالكامل وتفتيت أوطاننا لحساب المشروع الصهيونى
الأمريكى ,.فهل نتحرك الأن ؟
طارق عبد الفتاح
خبير إعلامى
Tarekart64@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق