يا جيلى المحبط !
أحتشد عددا كبيرا من أبناء جيلى الذى أقترب من الخمسين بنادى نقابة
الممثلين للحصول على دور فى مسلسل جديد ! وغلفت الوجوه علامات الأسى والإحباط
...فقد مرت عقود ولم يتحقق حلم التمثيل
لدى جيل بل عدة أجيال ! زاد من درامية المشهد آثار السنين التى حاول البعض عبثا إخفائها دون جدوى ! بينما
ترهلت أجساد وأرتفعت كروش ..ولكن بقايا من أمل ضعيف تشع من عيون مكدودة حزينة تلح
وتتشبث بالحلم العنيد الذى أبتعد كثيرا !! أبناء جيلى لم يقصروا ..تفتح جيلى فى مناخ فاسد تحول فيه الفن إلى ظاهرة
تجارية رخيصة !وأصبح لزاما على طالب الأكاديمية أن يدرس (إيسخلوس) بالنهار ويقدم
فقرة هزلية مع راقصة فى الليل كان المخرج الكبير جلال الشرقاوى يعلم أبناء جيلى فى
ساعات الصباح قواعد الدراما وأسس الإخراج المسرحى ..وفى الليل يعلمهم فى مسرحه
التجارى أن يقدموا هلسا خالصا !.الملهاة أن الطلاب تخرجوا فلم يجدوا لا مسرحا
فكريا يقدم رسالة ولا حتى مسرحا يقدم الهلس !!
تخلت الدولة عن كل أدوارها ..وأصبح
الفن تجارة فى أيدى تجار الخردة والجزارة وكل من يرغب فى غسل أمواله مجهولة المصدر! وتوقف قطاع الإنتاج وصوت القاهرة
عن إنتاج الدراما وأظلمت المسارح! ...وعلى الجانب الأخر كان جيلى من الإعلاميين
داخل أبنية الإعلام الرسمى يعانون مشاهدا من نوع أخر أنتقى منه مشهدا أخيرا يتكرر
كل عام فهم يتقدمون لإختبارات الترقى الخاصة بالعمل كمديرين عموم ورؤوساء قنوات
!ولكنهم أبدا لا يصلون ! فهناك قوائم بأسماء أخرى معدة سلفا ! من قبل أجهزة أمنية تختار القيادات على أسس من
الطاعة والجهل والولاء ! بل أن الوظائف القيادية المعلن عنها يتم وضع إعلاميين
مواليين للسلطة وكل سلطة عليها قبل الإعلان عن شغلها ! فيذهب المنصب إليهم !وكأن
الإعلان والمسابقة مجرد ديكورا وإستكمالا لأمور شكلانية وروتينية !

ويعانى أبناء جيلى مرارات عدة يضاعف منها طبيعة المرحلة العمرية التى يمرون
بها بكل ما فيها من جلد للذات وحسابات المكسب والخسارة وآلام الإحساس بضياع العمر
وضعف الإنجازات أو ضياع الأحلام العظيمة ! ولكن هل يخفف من أحزان جيلى أن فشلهم أو
عدم تحقق أحلامهم لم يكونوا هم مسئولين عنه بالكامل ! هل يخفف من إحباطهم أن فشلهم
كان أشرف وأكرم من نجاحات للبعض أتت نتاج
تنازلات أخلاقية !هل يخفف عنهم أن تحققا ضئيلا يأتى بالجهد وبالإلتزام المهنى
والأخلاقى أروع بكثير من نجاح تحقق بالصدفة أو بالمجاملات أو نتاج تعاون مع أجهزة
أمنية ! هل يواسيكم يا أبناء جيلى أنكم ستلقون ربكم مرفوعى الهامة ذلك أنكم لم
تحنوها وأنتم أحياء لبشر مثلكم أو أقل منكم ! ......................تذكروا أن
أزمة منتصف العمر خطيرة وتوقفوا عن تعذيب أنفسكم حتى لا تحاصركم الأحزان وتموتون
مختنقين بإحلامكم !فلم تفشلوا لنقص فيكم
بل لعوار فى مجتمعكم ....ولعل قدر أبنائكم يكون أفضل بكل تأكيد فقد أتيتم فى زمن
ودولة الفساد ...وتذكروا دائما أن هناك إخفاقات أكرم وأشرف من نجاحات للبعض ينظر إليهم
الكثيرين بإعتبارهم نجوما للمجتمع ونعرف نحن جميعا كيف نجحوا وأى ثمن دفعوه مقابل
ذلك ..فهم أشبه بفاوست الذى باع روحه
للشيطان مقابل النجاح !.....لن تكونوا سعداء بتحقق من هذا النوع !ربما يتمنى بعض الذين نجحوا نجاحات كهذه أن
يستبدلوها بما حققتموه أنتم أو حتى أن يستبدلوها بما لم تحققوه ! أبناء جيلى
المحبط ...طوبى لكم لا تتوقفوا عن المحاولة ولا تندموا على تمسككم بنقاوة أرواحكم
.
فالحفاظ على نقاء أرواحكم وطهارتكم أعظم أنواع النجاح والتحقق.
طارق عبد الفتاح
خبير إعلامى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق