احتلال العقول لاستعمار
الأوطان
معركة احتلال العقول تسبق دانات المدافع وتمهد لاحتلال
الأسواق دائما ,تقسيم السودان بدأ بتغيير الأنماط الاستهلاكية والعادات والتقاليد
وثقافة المجتمع عبر وكلاء للأمريكان , وعبر حملات رفعت شعار التبشير المسيحي ,
ولكنها في الحقيقة قامت باقتلاع الثقافة المحلية وإحلال ثقافة العولمة , ,و يوضح
كتاب ( كيف ينظر العرب لأمريكا , بحث في أسباب الكراهية ), لأندرو همند وترجمة
د.مصطفى عبد الرازق , كيف تتعلق الطبقات الوسطى بشكل خاص بالنموذج الأمريكي ,فتقوم
بإرسال أطفالها إلى مدارس وجامعات أمريكية وتقبل على نمط الحياة الأمريكية من
وجبات وملابس وأدوات تجميل وخلافه ,وهى
ازدواجية تتبنى المفهوم الأمريكي في نمط الحياة وتعادى السياسات الأمريكية تجاه
القضايا العربية في نفس الوقت ! الاحتلال الأمريكي للعقول كان موضوعا لكتاب أخر هو
(الإعلام الأمريكي بعد العراق ,حرب القوة الناعمة ,تأليف نيثان غردلز ومايك
ميدافوي , ترجمة وتقديم بثينة الناصري ,) ويكشف سيطرة أمريكا واحتلالها لعقول
الشعوب باحتكارها للصورة والحكي, فأمريكا بهوليود هي أكبر منتج للصور , ومن يملك
الحكي يحكم العالم , ومن أهم أهداف احتلال العقول , تحقيق مبيعات أعلى بتغيير
أنماط الاستهلاك,ويحقق احتلال العقول
تبعية اقتصادية ثم تبعية سياسية وربما ينتهي الأمر باستعمار تقليدي بالقوة
العسكرية, عملية تدمير أثار وتزييف تاريخ الشعوب ذات الحضارات العريقة أمرا ضروريا
في هذا المخطط لمحو الهوية ولتحقيق التبعية للاستعمار الثقافي الاقتصادي والسياسي
, يكشف كتاب ( كيف ينظر العرب لأمريكا ) عن دور خطير لأجيال من الشباب سافرت ودرست
وعاشت في أمريكا , وعادت لبلادها لتصبح مالكة لعددا من المحطات الفضائية السعودية
واللبنانية , التي لعبت دور وكيل الترفيه في الوطن العربي , حيث استنسخت هذه
القنوات البرامج الترفيهية الأمريكية وقمتها للشعوب العربية بكل القيم الأمريكية
الغربية ,من تطبيع مع الشذوذ الجنسي , و عرى ,ومع فكرة النجاح السريع بدون مجهود
عبر مسابقات الكشف عن المواهب , والتي هي في جوهرها لعبة إعلانية تجارية , تحقق
أرباحا خرافية للمنتج , دون ضمانات لحماية ورعاية هذه المواهب أصلا .
,ويعزى
المؤلف صعود تيار الإسلام السياسي في
الوطن العربي إلى هزيمة 67 وإلى الانحياز الأمريكي الفاضح لإسرائيل , كما
أن التطرف الغربي لمفهوم الحريات , استدعى تطرفا مقابلا نحو استلهام نموذج إسلامي
وهابي ,من حيث الملبس والسلوك والاعتقاد , والغريب أن النموذج الوهابي أستخدم نفس
الآليات في احتلال عقول البعض بتكفير المجتمعات العربية والدعوة للجهاد ضد الأنظمة
العربية بدعوى تحريرها وإعادتها لصحيح الدين .!
وربما يغفل الكاتب أمرا كشفته عدة مؤلفات منها كتاب(
لعبة الشيطان ,تأليف روبرت دريفوس وترجمة أشرف رفيق ومراجعة وتقديم د.مصطفى عبد
الرازق ) وهو دور بريطانيا والولايات المتحدة ,والسعودية منذ أكثر من قرن من
الزمان في دعم وتأييد بل وخلق تيارات الإسلام السياسي في الوطن العربي ,كوسيلة
لضرب التيارات الوطنية والشيوعية واليسارية والقومية والليبرالية والوفدية منذ عهد أحمد عرابي , مرورا بسعد زغلول ,وجمال
عبد الناصر !! ... وخطورة اللحظة
التاريخية الآنية تكمن في غياب إستراتيجية ثقافية لدى القائمين على أمور الثقافة
بالبلاد ,فغياب الإنتاج الثقافي الحقيقي
هو الباب الذي يدخل منه المستعمر والإرهابي على السواء .! لأنه كما قال غاندي ,لا
أريد أن أغلق نوافذ منزلي وأنغلق ولا أريد للرياح الوافدة أن تقتلعه .
طارق عبد الفتاح
خبير إعلامي
tarekart64@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق