الاثنين، 28 مارس 2016

التحليق فوق ظهر (آنا ما جدالينا كوكيتس)!


نشر في جريدة المشهد 29 مارس -4 إبريل 2016


التحليق فوق ظهر (آنا ما جدالينا كوكيتس)!

كطائر أسطوري ,أخذت عازفة البيانو النمساوية جمهورها ,فوق ظهرها وحلقت به فوق السحاب ,بمعزوفات موسيقية ,أشبه بالحلم وبإيقاعات بيانو تدوس علي أوتار المشاعر ,لتأخذك من واقعك البائس المدمر الملئ بالأشواك والإرهاب والاضطراب ,لتجد نفسك تارة بين السحاب ,تارة أخري في حديقة مطلة علي بحيرة ,بينما تتراقص حوريات سمعنا عنهم في جنة الفردوس , لم يكن غريبا أن تطلب من الجمهور أن يغمض عيونه وأن تطلب أن تطفأ أنوار المسرح ,في معزوفة مبينة علي التراكيب الصورية المتتالية,( آنا ماجدلينا ) شابة عمرها 28 عاما ,درست البيانو وهي في الرابعة من عمرها ,ثم تابعت الدراسة بالأرجنتين ,وكان أستاذها اليخاندرو جيبروفيتش الذي سافرت معه للدراسة بكونسرفتوار فيينا الخاص عام 2013  , جذبت الأنظار بعد فوزها بعدة جوائز في النمسا وجوائز دولية ,وهذا التناقض الجميل بين جديتها الشديدة وابتسامتها الطفولية الساحرة , تمنحها مزيدا من الجاذبية , هي تعزف بكيانها كله فتخرج توقيعات أناملها أشبه برسائل روحانية عميقة تخترق قلوب  المستمعين , ومتابعة سيرتها الذاتية في الحقيقة تظهر الفرق المؤلم بين مجتمع ينمي المواهب ويحتضنها في النمسا ,ومجتمع يدمر وينفي مواهبه في بلادنا !ولاشك أن النظافة والنظام والمناظر الطبيعية وسيادة القانون والراحة النفسية ,والمنظومة التعليمة السليمة ,وعدم القلق من الغد والمستقبل , كلها أمور تنتج منتجات فنية رائعة كالفنانة آنا مجدالينا , فالفنان هو أبن الظروف المحيطة به , الأمر الثاني هو الجهد الرائع لدار الأوبرا المصرية في استقدام كل ألوان الفنون الراقية من كل إنحاء العالم , وحسن اختيار أماكن العرض , فمعهد الموسيقي العربية هو نفسه تحفة معمارية لا مثيل لها الآن في مصر كلها وربما في الوطن العربي كله , وهو متحف فني متكامل,الطراز الملكي الجميل والنقوش الفخمة والقبة المزينة وثريات تنتمي لنفس الفترة, وكبائن زجاجية تحتوي آلات موسيقية تاريخية ونادرة , ''معهد الموسيقى العربية'''هو معهد لتعليم الموسيقى العربية الأصيلة وحفظ التراث الموسيقي العربي .يرجع بدايات إنشاء المعهد إلي عام 1914 م، عندما افتتح مصطفى بك رضا في ذلك الوقت أول ناد لعقد اجتماعات الموسيقى العربية، توالت الاجتماعات الخاصة بالموسيقى العربية في النادي لسنوات حتى عام 1921,حينما خصصت الحكومة المصرية قطعة من الأرض بميدان رمسيس لافتتاح المعهد عليها ,وبعد عام كان قد تم افتتاح معهد الموسيقى العربية على يد الملك [[فؤاد الأول]] و أطلق عليه أسم (المعهد الملكي للموسيقى العربية)، صدر القانون رقم 78 لسنة 1969 بإنشاء أكاديمية الفنون، بعد توصية المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية بهدف تخريج فنانين متخصصين،   بموجب هذا القانون أصبح المعهد أحد مكونات الأكاديمية التي تتبع وزارة الثقافة ، تم نقل المعهد والدراسة من ميدان رمسيس إلي مقره الحالي بأكاديمية الفنون بالهرم بعد أن تم تسجيل مبنى المعهد بميدان رمسيس كأثر تاريخي وأصبح تابعاً للمركز الثقافي القومي (دار الأوبرا المصرية)، قام المركز الثقافي القومي بتجديد مبنى ميدان رمسيس ,والذي استغرق العام ونصف العام للقيام بعمليات تطوير و ترميم جوهرية ليصبح مركزاً موسيقياً هاماً ,بوجود متحف محمد عبد الوهاب، متحف الآلات الموسيقية، المكتبة الموسيقية، و مسرح معهد الموسيقى العربية, هذه التحفة المعمارية الرائعة تمثل رمزا لعصر ملكي زاهي أهيل عليه التراب ,ويدعونا المكان بقوة لإعادة قراءة التاريخ ,وأخيرا استمتعنا بعزف فنانة متميزة وحفلا موسيقيا نتمني أن يتكرر .

طارق عبد الفتاح
خبير إعلامي

tarekart64@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق